الرئيسية > ثقافة وفنون > 10 مشكلات ضخمة تقضّ مضاجع العالم

10 مشكلات ضخمة تقضّ مضاجع العالم

 

أدار مؤلف هذا الكتاب مقولاته وطروحاته على مدار الفصول والصفحات من خلال 100 مقابلة صحافية أجراها في أكثر من بقعة مختلفة من زوايا العالم مستفيداً في ذلك من خبرته الواسعة بالشؤون الدولية، فيما كان مقصده متمثلاً في التشديد على عدم التركيز على ما يكابده عالمنا من سلبيات فادحة الأثر وخطيرة المآل، وفي مقدمتها بداهة ما تعانيه بقاع شتى في عالمنا من غوائل الإرهاب ومشكلات التخلف وآفات الفقر المدقع وأزمات الموارد اللازمة لاستمرار الحياة.

من هنا يطالب الكتاب بما وصفه المؤلف، ابتداء من العنوان، بتفعيل جهود تقصد إلى تعديل الأوضاع، أو باختصار إلى الإصلاح وإلى حث قيادات الدول وزعماء شعوبها على بذل ما بوسعهم من جهود من أجل انتشال دولهم من مصائر التراجع أو التخلف أو الانحسار.

من هنا يطل الكتاب على مشكلات العالم من زاوية أقرب إلى التعامل الإيجابي، حيث يعرض إلى عدد من النماذج التي تعد – بنظر المؤلف، إيجابية في التصدي لمشكلات الفقر أو الاستبداد أو أزمات الموارد الطبيعية وبحيث تخلص مقولات الكتاب إلى أن اليأس لن يُجدي فتيلاً ولن تصلح معه أحوال العالم، بقدر ما أن الرؤية الواعية والتعامل الإيجابي، حتى مع أصعب الظواهر وأعقد القضايا، هو الكفيل بتزويد الإنسانية بزاد، مهما كان متواضعاً، من الأمل في أن تواصل الإنسانية خطاها قدماً إلى الأمام.

شهد الربع الأخير من القرن الرابع عشر دراسة رائدة وشاملة عُني كاتبها بنشوء وصعود الدول ثم سقوطها عبر التاريخ. ومن يومها ظلت الدراسة المذكورة أقرب إلى المنارة التي يستهدى بها مخططو السياسة وعلماء الاجتماع وباحثو مصائر النظم والأمم والشعوب.

الدراسة حملت عبر التاريخ لقب المقدمة وكان كاتبها هو المفكر النابه المسلم عبد الرحمن بن خلدون (1332 – 1406).

وكم توالت المقدمات والدراسات التي عكف أصحابها على تدارس وتحليل مصائر الدول والنظم السياسية في ضوء ما سبق إليه ابن خلدون، وخاصة عندما تعامل مع الدولة بوصفها كياناً ديناميا أقرب إلى الكائن الحي الذي تنطبق عليه قوانين النشأة والتطور والنضوج، بقدر ما تصدق عليه عوامل الهِرَم والشيخوخة والانهيار.

وبديهي أن لايزال موضوع حياة الدول بين النشوء والذبول ما برح يستقطب اهتمامات الدارسين والمحللين، مروراً بما أسهم به مؤرخو التحولات التاريخية الحاسمة في التاريخ، ومن بينها مثلاً الثورة الفرنسية الكبرى بكل فلاسفتها ومفكريها، وهو ما يؤكده الكتاب الصادر مؤخراً في الولايات المتحدة ويتناول الموضوع نفسه تحت عنوان مباشر وهو: كيف تعيش الدول وتصعد وسط عالم متراجع.

ضرورة الإصلاح

وبديهي أن يأتي العنوان الرئيسي لهذا الكتاب مطالباً بأمر منطقي في هذا السياق وهو: الإصــلاح، بمعنى سبل إصلاح ما فسد، سواء بمرور الزمن أو بفعل أخطاء البشر.

أما مؤلف هذا الكتاب فهو الكاتب الصحافي المخضرم جوناثان تيبرمان الذي يعمل مديراً لتحرير واحدة من أهم الدوريات الرصينة في العالم، وهي مجلة «فورين أفيرز». والواقع أن هذا الكتاب تسوده، أو تكاد تسوده نغمة تنطوي على قدر لا يخفي من التفاؤل، بيد أنه تفاؤل محسوب ولا يرتكز مثلا على وعود محلقة في المطلق إذا جاز التعبير.

أما حكاية المحسوب فتجد ترجمتها في الفصول الاستهلالية من هذا الكتاب، حيث يسجل المؤلف، بل إنه يعترف، بما صادفه، ولايزال يصادف، عالمنا من سلبيات تعانيها مواضع شتى من هذه الكرة الأرضية: هنا يسجل المؤلف ما نجم موضوعياً من سلبيات التحولات التي شهدها الشرق الأوسط عبر السنوات الخمس الماضية وقد حملت الوصف الشائع المتداول: «الربيع العربي».

هناك سلبيات، بلغت حد الكارثية نجمت في حالات شتى من ظاهرة «الربيع العربي»، وما تزال تعايشه وتكابده مناطق وشعوب عربية ما بين اليمن إلى ليبيا وسوريا، وكلها أمثلة دالة وموجعة بكل معنى الكلمة على ما يذهب إليه مؤلفنا منذ استهلال هذا الكتاب، وكأن تحولات هذا الربيع بكل ما عقدنا عليها من آمال تصبّ في صالح الشعوب.

جاءت فأفضت كما يبّين المؤلف، إلى اندلاع حروب أهلية واشتعال صراعات داخلية وابتعاث نعرات طائفية، فضلاً عن أزمة ملحمية كما يصفها الكتاب، مجسدة في موجات نزوح مئات الألوف من اللاجئين من أرجاء الشرق الأوسط إلى مواقع شتى من القارة الأوروبية.

نموذج من نيويورك

وعلى خلاف المتوقع، فقد عمد مؤلفنا إلى تحويل بؤرة اهتمامه إلى وجهة غير متوقعة بدورها هي نيويورك، التي أفرد لها فصلاً بأكمله من فصول هذا الكتاب.

في هذا الفصل يركز المؤلف تحليله على ما استطاع أن ينجزه مايكل بلومبيرغ عمدة نيويورك السابق الذي شاءت أقداره أن يجري انتخابه رئيساً لبلدية المدينة الأميركية الكبرى قبل شهرين ليس إلا من وقوع حادثة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

من هنا كان التصدي للإرهاب هو البند رقم واحد على أجندة العمدة الجديد، وزاد من حّدة هذه المهمة تلك التعقيدات التي تكتنف عادةً الأوضاع والنظم البيروقراطية في العاصمة واشنطن.

 وما كان من بلومبيرغ إلا أن قرر الاعتماد على نفسه فبادر إلى تعيين مفوض شرطة جديد للمدينة وجعل منه كما يقول مؤلفنا وزير دفاع نيويورك ومدير استخباراتها، بالإضافة إلى إجراءات جذرية مماثلة وغير مسبوقة لدرجة أن أصبح بعضها مثاراً للسخط أو المعارضة أو الرفض من جانب واشنطن ذاتها.

هنا يصف المؤلف هذه الخطوات بأنها اتسمت بمزيج من السرعة والكفاءة، وما أن حل عام 2002 حتى كانت إدارة شرطة نيويورك تضم – كما يؤكد المؤلف – 60 ضابطاً ممن يجيدون اللغة العربية، فيما كان الأداء محل إعجاب مختلف دوائر الحكومة، ولدرجة أن شهدت مغادرة بلومبيرغ منصبه في عام 2013 تقدم دوائر حكومية شتى طلباً للمشورة من دوائر نيويورك، يستوي في ذلك مكتب المباحث الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية ووكالة استخبارات الدفاع.

من المكسيك أيضاً

ثم يتحول المؤلف إلى المكسيك التي طالما هاجمتها دوائر أميركية رسمية وغير رسمية (آخرها بالطبع كان المرشح الجمهوري الفائز بالرئاسة الأميركية دونالد ترامب ). وهنا يشيد المؤلف من جانبه بنجاح رئيسها بنينا نيتو في التصدي لعصابات الاحتكار، وفي تجديد قطاع الطاقة المتهالك، وفي إعادة هيكلة نظام التعليم المكسيكي، وتحديث قوانين الضرائب واللوائح المصرفية.

بعدها يعبُر المؤلف ساحات الأطلسي وصولًا إلى بوتسوانا، البلد الصغير الواقع في إطار منطقة الجنوب الأفريقي. ويشيد الكتاب بما استطاع أن ينجزه رئيسها السابق سيرتسي خاما (1921، 1980) وخاصة بشأن تحويل بلاده من لعنة الاعتماد على موارد خامات الماس إلى بناء ما يصفه مؤلفنا بأنه واحد من أفضل النظم الحاكمة في العالم النامي بفضل القضاء على الفساد الذي كان متفشياً في أرجاء البلد الأفريقي المذكور.

تعليق التايمز

مع هذا كله، فثمة رأي جدير بالاعتبار، نطالعه في سطور التحليل النقدي الذي نشرته جريدة «النيويورك تايمز» في معرض تقديمها لهذا الكتاب. في هذا الخصوص يكتب الصحافي مايكل هيرش رئيس تحرير مجلة بوليتيكو موضحاً أن ثمة سؤالاً محورياً ينبغي أن يطرحه قارئ كتابنا.

ويتعلق بافتراضات مؤلف الكتاب، جوناثان تيبرمان، التي تدور حول التجارب الناجحة التي أمكن تحقيقها في هذا الركن أو ذاك من أرجاء عالمنا، وبحيث يمكن اعتبارها إيجابيات تم إنجازها هنا أو هناك، وبشكل يمكن أن يتعادل مع ما أصبح هذا العالم يعانيه من سلبيات، منها ما انحدر إلى وهدة الكوارث وفي مقدمتها الإرهاب والفقر وهجرات الملايين.

هنا يدور التساؤل عما إذا كان ممكناً انتقال أو تحويل هذه التجارب التي نجحت من مكان إلى مكان غيره، وبمعنى آخر: هل هذه الإيجابيات تشكل ظاهرة مشتركة ويمكن تبادلها، أم أنها أمور يختص بها موقع بعينه في البلد أو المنطقة التي شهدت تحقيق هذه النجاحات، أو أنها نجاحات انفرد بها الموقع فقط الذي تحققت على صعيده.

وفي محاولة الإجابة عن مثل هذه التساؤلات، هناك من يذهب إلى أن التجارب غير قابلة للتقليد. صحيح أنه يمكن استلهامها ولكن لا يمكن نسخها ولا تكرارها.

وفي هذا المضمار يسوقون محاولة عمدة نيويورك بلومبيرغ الذي سبق ذكره، بأن ينسج على منوال تجربة سيلفا دا لولا في محاربة الفقر بالبرازيل من خلال تجربة «صندوق دعم الاسرة» التي أشرنا إليها، لقد أراد المسؤول الأميركي أن يستفيد من تجربة البرازيل في مكافحة الفقر في نيويورك، لكن دراسة النتائج أفادت أولا بعدم نجاح التجربة هناك، وإن كان هناك من الدراسات ما أشار إلى إمكانية نجاح التجربة نفسها في المناطق الريفية قبل المناطق الحضرية.

ينطبق المعيار نفسه على حالات استقبال الموجات النازحة من آلاف اللاجئين. هناك أقطار – في غرب ووسط أوروبا يضيق مسؤولوها وسكانها باستقبال هذه الموجات.

لكن هناك على الطرف المقابل من المعادلة نفسها أقطار يمكن أن تستوعب هذه الموجات، ومن نماذج تلك الأقطار ما يتمثل في كندا بحكم ما لديها من إمكانيات وموارد وبحكم كونها ثاني أكبر بلد من حيث مساحة الأرض (بعد روسيا) بينما لا يزيد عدد سكان كندا على عـُشر سكان الولايات المتحدة، جارتها من ناحية الجنوب وهو ما يطلق عليه الاختصاصيون الوصف التالي: «الاستثناء الكندي».

لمسات أمل

وأخيراً تتحول اهتمامات كتابنا إلى قضية الطاقة بكل ما يهدد عالمنا من عوامل النقص أو الانحسار في مواردها اللازمة لاستمرار دوران عجلة الحياة. هنا يَجهد المؤلف في رسم الجوانب السلبية التي تتعلق بالموارد المحدودة من مواد الطاقة، وبالأضرار التي تمثلها انبعاثاتها الكربونية على مرافق الحياة فوق كوكب الأرض بكل ما يحفل به الكوكب من مخلوقات حية. ولكنه لا يلبث أن يشير إلى بعض الجوانب الإيجابية مثل اكتشاف موارد البترول الصخري أو الزيت الحجري، وهي إمكانات هائلة تعد بمزيد من موارد الطاقة.

تفاقم اللامساواة في الدخل على امتداد العالم

كان طبيعياً أن يتخلف عن هذه السلبيات، آثار سلبية بدورها وفادحة النتائج بالنسبة لحالة الاقتصاد العالمي، فيما لايزال العالم يشهد تيارات موجعة تنطوي على تفاقم ظاهرة اللامساواة في الدخل، ومن ثم في مستويات معيشة الملايين في طول العالم وعرضه، فما بالنا وقد أضيف إلى هذه الأوضاع والمحصلات المثيرة للأسى آفة أو لعنة تحمل اسم الإرهاب وخاصة من جانب تنظيم «داعش»، الذي يركز عليه المؤلف جانباً ملحوظاً من تحليلاته فضلاً عن المنظمات الإرهابية الأخرى التي ما برحت تقترف جرائمها الدموية في مواقع متباينة من ساحات الشرق الأوسط والقارة الأفريقية.

كل هذه الأبعاد السلبية لم تَحُل بين مؤلف هذا الكتاب وبين أن يشمّر عن سواعده الفكرية والتحليلية من أجل التوصّل إلى صورة أكثر إيجابية وأفضل وعوداً. وبوصفه صحافياً مخضرماً فهو ينطلق في هذا المضمار من خلال التطرق عبر فصول وصفحات كتابنا، إلى رسم صورة مغايرة لما تصفه من جانبه بأنه قصص نجاح لا سبيل إلى إنكار حدوثها، إضافة إلى عكوفه على شق مسارات مغايرة أيضاً يمكن في تصوره كذلك أن تفضي إلى حيث الإصلاح والتعديل والتغيير انطلاقاً إلى الإصلاح.

في السياق نفسه، نلاحظ مبدئياً أن المؤلف لم يصدر في عرضه لتلك الصورة الأكثر تفاؤلا بالنسبة لمستقبل العالم عن مجرد الأمنيات برغم اعترافه بكل الأبعاد القاتمة التي أشرنا إليها، فهو يستند إلى ما استطاع تجميعه عبر 100 مقابلة صحافية أسفرت عن معالم هذه الصورة شبه الإيجابية التي يحاول رسمها لأحوال العالم.

استطلاع صحافي متفاوت النتائج

على خلفية الصورة التي وصفها مدير تحرير «الفورين أفيرز»، انطلق ليزور عشرة مواقع حول العالم قاصداً تسليط الضوء على ما تشهده هنا أو هناك من إيجابيات باعثة ولو بقدر من الأمل وشيء من الوعود، ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

وقد تباينت نتائج هذا الاستطلاع الصحافي، لكنها تركزت على البرازيل التي لا يزال فقراؤها يذكرون نجاح رئيسها الأسبق دي لولا في التصدي لآفة اللامساواة بفضل استحداثه وتطبيقه منظومة صندوق دعم الأسرة، وهو ما شكّل نموذجاً إيجابياً واعداً وسط أنواء التشاؤم.

المؤلف

جوناثان تيبرمان كاتب صحافي أميركي من أصل كندي، درس الأدب الانجليزي في جامعة يال بالولايات المتحدة، ودرس القانون في جامعة اكسفورد البريطانية ثم في جامعة نيويورك. وعمل مديراً لتحرير «الفورين أفيرز» ومازال ناشطاً يدلي بآرائه وينشر ويذيع تحليلاته السياسية وتعليقاته الفكرية عبر أشهر وسائل الإعلام الأميركية، كما أجرى العديد من المقابلات المهمة مع العديد من القيادات والزعامات العالمية وهو ما أهّله لعضوية مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن.

تأليف: جوناثان تيبرمان

عرض ومناقشة: محمد الخولي

الناشر: مؤسسة تيم دوغان، نيويورك، 2016

عدد الصفحات: 307 صفحة