الرئيسية > ثقافة وفنون > قراءة في كتاب "الجذور التاريخية للأزمة اليمنية "

قراءة في كتاب "الجذور التاريخية للأزمة اليمنية "

قليلون هم الذين يعرفون خلفية الصراعات السياسية والمذهبية فى اليمن، وقليلون من يعرفون الخلفية المذهبية لجماعة الحوثى، هذا ما حاول أن يوضحه أستاذ التاريخ فى جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور محمود الجبارات، فى كتابه" الجذور التاريخية للأزمة اليمنية" الصادر مؤخرا عن الآن ناشرون وموزعون فى عمّان.
غلاف الجذور التاريخية للأزمة اليمنية
يضم الكتاب دراستين متصلتين بذات الموضوع، الزيدية، وهو المذهب الذى ينتمى إليه الحوثيون، وغيرهم من العشائر اليمنية، والجذور التاريخية للأزمة اليمنية المعاصرة.
 
ويقول المؤلف، محددا أهمية الكتاب الذى يقدمه: "كان تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، وما يزال، مجالاً بكراً، قلًما تستوفى أدواته ووثائقه وشروط الكتابة التاريخية فى موضوعاته، وذلك لتعقيدات مدخلاته وتشابك علاقاته الداخلية والخارجية، إضافة إلى المزاج العام المرتبط باتجاهات ورؤى دارسيه، فضلا عن رؤى أبنائه ومواقفهم من هذا التاريخ ومآلاته".
 
 وقد بيّن الكاتب أن الأزمة اليمنية منذ اندلاعها عام 2011 كشفت عن بعض مكنونات المجتمع اليمنى ورؤاه واحتقاناته المتماهية مع واقع مكوناته الداخلية وعلاقات قواه الحيّة مع محيطها الإقليمى، وشكّلت الأزمة، بصورة عرضية، ظاهرة تشى وتُغرى بإعادة قراءة صيرورة تاريخ اليمن المعاصر بمناهج وأدوات وطرائق تفكير جديدة. 
 
 أما الدراسة الثانية فقد اهتمت بالمذهب الزيدى، من خلال المصادر التاريخية والفقهية، وفى مختلف مراحل تاريخ اليمن، وبيان تاريخ علاقات الزّيدية مع التيارات السياسية والاجتهادات الفقهية فى اليمن، وطريقة أداء الإمامة الزيدية السياسى كدولة، وتطور اجتهادها المذهبى خلال الظروف السياسية المستجدة بمنظور تاريخى. 
 
 كل ذلك فى محاولة للإجابة، المباشرة أو غير المباشرة، على التساؤلات المهمة التى أثارتها تطورات الأزمة اليمنية وهى: هل تتطور الزّيدية، بتجلياتها الحالية بصفتها حركة حوثية، وتتحول إلى حزب سياسى يمنى يقبل التشاركيّة فى الحكم، والتبادل السلمى للسلطة فى دولة يمنية مدنية حديثة؟ أم أن استعادة الزيدية المذهبية، كما ظهر فى الحركة الحوثية، سيتجسد مجددا فى تأسيس إمامة زيدية؟ وفى كل الأحوال، كيف ستتعامل الزيدية الحوثية مع بقية المكونات السياسية والفقهية والمناطقيّة فى اليمن؟ 
 
لعل أبرز ما توصل اليه الباحث فيما يتعلق بثنائية المذهب والدولة عند زيدية اليمن هو أن المذهب الزيدى فى اليمن تطور تاريخياً كجزء من تطوّر المعارضة السياسية الإسلامية للدول الإسلامية المركزية على اختلاف توجهاتها، ووظّف القبائل اليمنية فى الوصول إلى السلطة و/أو الحفاظ على هذه السلطة، وأنه لم يؤمن يوما بالمعارضة السلمية والفكرية للدولة الإسلامية المركزية، أو للدول الإسلامية التى نشأت فى اليمن وتعايش معها؛ بل إن صراعات عسكرية دامية ومستمرّة قادها الأئمة للوصول إلى السلطة فى اليمن ضد الدول اليمنية؛ وصراعات عسكرية بين الأئمة المتنافسين على الإمامة؛ كان كثير منها داخل البيت الفاطمى ولأئمة متعارضين، وأن المذهب الزيدى أقرب المذاهب الشيعية إلى السُنّة؛ تطور فكرياً واجتهادياً على ضوء مدرسة المتكلمين المعتزلية، وركز على الإمامة ودور الإمام فى السلطة السياسية (الدولة) لكن ما أن تقوى سلطة الإمام ودولته، ويجد أى مبادرة خارجية من دولة شيعية إمامية اثنى عشرية؛ المختلفة فى اجتهادها الفقهى عن الزيدية؛ فإنّ الإمام يستقوى بها، وينسق معها سياسياً وربما عسكرياً فى مواجهة الدول المجاورة له، ويرافق ذلك تطبيق اجتهادات الفرقة المطرفية أو الاثنى عشرية فى اليمن، ومنها شروط الإمامة والموقف من خلافة الشيخين، وحديث الغدير، والإضافة على الأذان، والصرخة. 
وأن الإمام الزيدى كان أحياناً يلجأ لعقد اتفاقات على شكل هُدن مؤقتة مع دول يحاربها وتحاربه، وأن هذه الهدن لا تستمر، وغالبا ما يبادر الإمام إلى نقضها بعد أن يُعِدّ العُدّة إلى جولة جديدة من الحرب. 
 
وأن شروط تولى الإمامة المعتبرة عند الزيدية لم تكن تطبق غالباً عند خروج الإمام للدعوة أو توليه الإمامة، وتولى أئمة الإمامة بدون توفر أى شرط أحياناً، وبتوفر شرط أو شرطين أو سبعة شروط، وأحياناً بنقص شرط واحد، كما أن الإمام كان فى كل الحالات يستولى على السلطة بالقوة العسكرية والسيف؛ ولذلك كانت اليمن فى حالة حروب دائمة. 
 
أما الفصل الثانى فقد تضمن المحاور التالية: مقدمات الأزمة، انطلاق ثورة الربيع العربى فى اليمن، المبادرة الخليجية لاحتواء الأزمة. 
 
ويؤكد الباحث على أن المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة ما زالت صالحة لأن تكون إطاراً متوافقاً عليه، وقابلاً للتطوير عليه فى حل المسألة اليمنية، كما أن قرارات مجلس الأمن المتصلة باليمن كانت توافقية فى الأفق الدولى، ويمكن تفعيلها وصولا إلى حل فى المسألة اليمنية. 
 
يذكر أن الدكتور محمود الجبارات، من مواليد الشوبك فى الأردن سنة 1958، حاصل على شهادة الدكتوراة فى التاريخ فى جامعة اليرموك، عام 2005، خدم فى القوات المسلحة الأردنية (1980- 1996)، وتقاعد برتبة مقدّم، وعمل محاضراً فى المعاهد العسكرية، حاز وسام الخدمة الطويلة المخلصة قبيل تقاعده، ويعمل أستاذاً للتاريخ الحديث والمعاصر فى جامعة البلقاء التطبيقية منذ سنة 2006. من مؤلفاته: العلاقات اليمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية (1904- 1948م )، 2008م. دراسات فى تاريخ اليمن المعاصر، 2014م.

 

شريط الأخبار