الرئيسية > اخبار وتقارير > مواقع التواصل تُعيد الاعتبار للأغنية اليمنية وحسين محب يعتبرها سلاحا ذو حدين

مواقع التواصل تُعيد الاعتبار للأغنية اليمنية وحسين محب يعتبرها سلاحا ذو حدين

أكثر من مرة في شوارع العاصمة الأردنية عمان، يتسلل إلى سمعي صوت فنان يمني صاعد، بأغنية لاقت رواجا كبيرا مؤخرا، بفضل مقطع فيديو التقط بشكل عفوي بأحد الأعراس في صنعاء.

 

إنها أغنية "يا ليالي يا ليالي"، للفنان الشاب صلاح الأخفش، والتي حصدت قرابة 34 مليون مشاهدة خلال أقل من عام، وهو رقم قياسي بالنسبة للأغاني اليمنية، حيث لم يسبق أن حققت أغنية يمنية هذا العدد الكبير من المتابعة على موقع يوتيوب.

 

اتسمت الأغنية اليمنية (الصنعانية) المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي غالبا بالبساطة، وبغياب المؤثرات، وأخذت طابعا شعبيا، ملازما للمناسبات، وخصوصا الأفراح، فأغلب ما يتم نشره على موقع يوتيوب، عبارة عن جلسات مقيل وحفلات أعراس في صنعاء وبعض المحافظات الأخرى، ومؤخرا انتشرت مقاطع لفنانين يمنيين غادروا اليمن بعد الحرب، واستقروا في بعض دول الخليج، وفيها يحضرون حفلات، وأعراس وغيرها من المناسبات.

 

لاقت أغنية "يا ليالي" رواجا كبيرا، ليس في اليمن، بل في الخليج العربي، والشرق الأوسط، قُلدت في السعودية ودول خليجية أخرى من قبل فنانين صاعدين أيضا، بينما اعتبرها البعض، أغنية الموسم، وهذا ما يتضح من خلال تعليقات الإعجاب التي انهالت على المقطع الذي التقط بعفوية.

 

هذا الرواج الذي حققته الأغنية اليمنية لم يكن مخطط له، بل جاء عفويا، لكنه يكشف عن إمكانية تحقيق مستويات متقدمة من الحضور للأغنية اليمنية، في محيط أتقن الاستفادة من المخزون الفني اليمني دون إعطاءه حقه من التقدير والإشادة.

 

فلقد نجحت الأغنية اليمنية في إيصال فنانين يمنيين وعرب إلى النجومية، لكنها ظلّت مظلومة، ولم تلق حقها من التقدير، بل تعرضت كثيرا للسطو، في مقابل حملات دفاع لا ترقى لمستوى الجريمة الفنية الحاصلة.

 

سر هذا الرواج

 

ما كان لهذا الرواج أن يتم لو لم يكن هناك وسائل تواصل وشبكة إنترنت، فاجتهادات بعض المهتمين بالذوق الفني، ممن يرون في الأغنية اليمنية شيئا يستحق الاحتفاء أنشأوا قنوات يوتيوب خاصة لتغطية جلسات ومقائل وحفلات الفنانين اليمنيين الصاعدين، وفعلا بدأت تحضى بمتابعة كبيرة.

 

وكدليل على أن الأغنية اليمنية يمكن أن تستفيد كثيرا من وسائل التواصل والفضاء الذي وفرته شبكة الانترنت، نشير إلى أن أغنية "يا ليالي"، هي إحدى الأغاني القديمة، للفنان "إبراهيم الطائفي"، لكنها لم تلق الشهرة التي حصدتها بصوت الفنان المغمور صلاح الأخفش، حينما نشرت عبر موقع يوتيوب.

 

 

فرصة أمام اللون الصنعاني

 

تصدرت أغنية "يا ليالي"، مسيرة الأغنية اليمنية مؤخرا، وتحديدا اللون الصنعاني منها، ويبدو أنها فتحت الباب أمام هذا اللون للانتقال من المحلية إلى الإقليمية.

 

يتميز اللون الصنعاني بروعة إيقاعاته، وأصالتها، ورقتها، فهي مشحونة بقدر كبير من الشجن، إلى جانب التكامل الكبير بين بنية القصائد الغنائية والألحان، وهذا ما تميز به شعراء الأغنية الشعبية منذ عقود، فهناك قصائد خالدة شدى بها عمالقة الفن الصنعاني كالحارثي والآنسي والسمة والسنيدار وآخرين، لا تكتمل متعة الاستماع لها إلا إذا عانقت كلماتها أوتار العود اليمني.

 

وبالعودة إلى الانتشار الكبير الذي حققته الأغنية اليمنية، بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، وسهولة إيصال المادة الفنية إلى المتلقين بدون عوائق، وهذا ما تحقق فعلا للعديد من الأغاني اليمنينة، على رأسها "يا ليالي"، وأغاني أخرى للنجم الكبير "حسين محب"، وغيره من الفنانين اليمنيين.

 

هذا الفضاء الواسع والسهل، دفع العديد من الفنانين إلى الانفتاح على وسائل التواصل، من خلال تدشين حسابات على مختلف مواقع التواصل من "فيسبوك – تويتر – يوتيوب – سناب شات" وغيرها، بهدف الارتباط بالجمهور، ونشر جديدهم أولا بأول.

 

هذا الانفتاح أيضا، جعل مخزون الأغنية اليمنية الضخم متاحاً أمام الجمهوري في المنطقة العربية وتحديدا في الخليج العربي، وخلق جمهور محب، ومتابعين شغوفين بكل جديد في الأغنية اليمنية، بل صار هناك طلب كبير على الفنانين اليمنيين المشهورين لإقامة حفلات في عدد من الدول، وتحيددا في السعودية وسلطنة عمان والإمارات، وغيرها.

 

ولا بد من الإشارة إلى مسألة مهمة، ألا وهي انتقال الكثير من الفنانين اليمنيين إلى دول الخليج، لعدة أسباب، أولها سوء الأوضاع داخل اليمن بسبب الحرب، وثانيها وهو الأهم، الإقبال الكبير على الأغنية اليمنية في دول الخليج، وتحديدا في السعودية والإمارات وسلطنة عمان، وتزايد شعبيتها في تلك الدول.

 

حسين محب: الانترنت سلام ذو حدين

 

وحول دور شبكة الانترنت في خدمة الأغنية اليمنية آكد نجم الأغنية اليمنية الفنان حسين محب أن الشبكة العنكبوتية بكافة منصاتها، ساهمت حاليا في نشر الفن اليمني، مشددا على ضرورة الحفاظ على الهوية اليمنية للأغنية، وأيضا الحفاظ على الحقوق الأدبية والفكرية.

 

وأضاف "محب" في تصريح لـ"المصدر أونلاين"، أن شبكة الانترنت، سلاح ذو حدين، إما أن تنشر الفن الأنيق والإرث القديم، أو أنها ستنشر من يقوم بتزوير وتزييف هذا الإرث، ونسبته إلى غير أهله.

 

وقال: "إذا استخدمنا الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الإجتماعي بالطريقة الصحيحة عبر الحفاظ على الحقوق الأدبية والفكرية، وعبر نشر الأغاني التي تليق بالهوية اليمنية، ففعلا سوف تنتشر الأغنية اليمنية في كافة دول العالم وليس فقط في الدول العربية".

 

ولفت إلى أن دور الفنانين اليمنيين في هذه المرحلة، يتمثل في استغلال شبكة الانترنت، بالطريقة الصحيحة، وحسن اختيار الأغاني والمفردات التي تليق بالهوية اليمنية القديمة والمستحدثة.

 

ولفت لـ"المصدر أونلاين"، إلى أن الأغنية اليمنية لم تأخذ حقها في الانتشار خلال العقود المنصرمة لعدة أسباب، أهمها الحروب الأهلية، والثقافة المجتمعية السائدة، وقلة الوعي حول أهمية الغناء بشكل خاص والموسيقى بشكل عام.

 

وأضاف حسين محب: "ورغم ذلك ترك الفنانون والشعراء القدامى لنا هذا الإرث العظيم من الأدب والفنون الذي يعود لمئات السنين، رغم ما كانو يعانوه من عوائق مجتمعية وأسرية وبعض الأفكار العنصرية والتي تلاشت تدريجياً وصولاً إلى وقتنا الحاضر ".

 

واستطرد "حسين محب" قائلا: "على سبيل المثال كلمات قصيدة "يا كحيل الرنا" يتجاوز عمرها ٥٠٠ عاما، كذلك كلمات أغنية "صادت فؤادي" يصل عمرها ٤٥٠ عاما، والعديد من القصائد والأغاني التي تم الحفاظ على هويتها اليمنية الأنيقة من قِبل الفنانين القدامى ومتذوقي هذا الفن العريق ".

 

 

وأشار الفنان "محب"، إلى أنه حالياً أتيحت له ولطاقمه الفرصة "لتطوير هذا الإرث وتجميعه وإعادة توضيب الأغنية اليمنية وتلميعها وفق المعايير العالمية والتقنيات الحديثة المستخدمة حالياً في مجال الموسيقى، وبكافة الوسائل، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر أي من الوسائل المستحدثة مستقبلاً حفاظاً على الهوية اليمنية وحفاظاً على الحقوق الأدبية والفكرية ".

 

عودة إلى الواجهة

 

بدوره يرى الناقد الفني رفيق العكوري، مدير عام مركز التراث اليمني، أن الأغنية اليمنية وخصوصا الصنعانية منتشرة منذ ما قبل عصر الانترنت ووسائل التواصل.

 

وأضاف العكوري، في تصريح لـ"المصدر أونلاين"، أن الأغنية اليمنية وفي المقدمة اللون الصنعاني، يعتبر من أرقى أنواع الغناء في المنطقة، وأكثرها أصاله، بحيث تغنى بها رواد الفن الغنائي في شبه الجزيرة العربية، أمثال وليد بن ضاحي وبن فارس وفضالة وغيرهم.

 

وقال الناقد العكوري: "الإعتقاد بأن الأغنية اليمنية انتشرت مؤخراٍ بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، فيسبوك ويوتيوب وغيرها، هو اعتقاد غير صحيح نوعاً ما".

 

وبيّن أن الأغنية اليمنية والفنانون اليمنيون انتشروا خارج اليمن منذ بداية التسجيلات الفنية على الاسطوانات منذ ثلاثيات القرن العشرين، مشيرا إلى أن فنان مثل إبراهيم الماس تجاوزت شهرته اليمن والجزيرة العربية، وفنان مثل الشيخ صالح العنتري فاقت شهرته فناني جيله في وقته، حتى أن هناك مجلة مصورة في مصر للأطفال بطلها هو الفنان صالح العنتري، وقد بيعت الاسطوانات الفنية التي طبعت في مدينة عدن بكميات كبيرة.

 

وأضاف العكوري في تصريح لـ"المصدر أونلاين": "ومنذ منتصف الخمسينات وبدخول الاسطوانات البلاستيكة 45 دورة وبعدها أشرطة الكاسيت، قامت بعض شركات التسجيل في دول الخليج بتسجيل وطباعة الأغاني اليمنية التي كانت مسيطره على المشهد الفني الموسيقي في شبه الجزيرة".

 

وأشار إلى أن "خفوت زخم الأغنية اليمنية" في الفترة الأخيرة يعود لعدم وجود وجوه جديدة مبدعة في ظل إهمال الإعلام للفن اليمني، حتى انحصر في ربوع الوطن فقط، إلى أن ظهر الانترنت ووسائل التواصل العالمية، وقيام مجموعة من محبي الفن اليمن بعمل صفحات خاصة وقنوات فنية متخصصة في الفن الغنائي اليمني، وهو ما أعاد الأغنية اليمنة إلى الواجهة، وعاد زخم انتشارها على المستوى الخليجي والعربي.

 

وقال رفيق العكوري: "عند متابعة تلك الصفحات والقنوات نلاحظ عدد المشاهدات بعشرات الملايين لتلك الاغاني اليمنية الأصيلة كما نلاحظ النقاشات الجميلة والهادفه حول الفن اليمني من الجمهور.

 

ولفت إلى أن "وسائل التواصل الجماعي ساهمت بشكل كبير في نشر وتعريف الأغنية اليمنية للجمهور العربي، كما أنها قامت بجهد كبير في الحد من السرقات الفنية للأحان والقصائد اليمنية التي كانت تنسب سابقا بقصد أو بغير قصد لفنانين عرب، فنلاحظ الحملات التي يقوم بها عشاق الفن اليمني لمواجهة محاولات طمس أو تشوية أو سرقة أي اغنية يمنية أصيلة"، حسب قوله.

 

وأوضح العكوري إلى أنه يؤخد على وسائل التواصل الاجتماعي عدم قدرتها على السيطرة بالنسبة للحقوق المادية للفنان، فيقوم الأشحاص بنشر الأغاني في قنوات اليوتيوب، ويجنون منها أرباحا وصاحب العمل الفني لا يتحصل على أي مبلغ من تلك المبالغ.

 

واختتم حديثه قائلا: "كذلك هناك بعض الفنانين لا يرغبون أن تنشر أعمالهم للجمهور، خاصة تلك التي كانت في جلسات خاصة لكن البعض لايحترم هذه الخصوصية للفنان".

 

ويبقى من المهم الإشارة إلى أن هذا الرواج الذي حققته الأغنية اليمنية، يعود فقط لجهود متواضعة، يقوم بها بعض الهواة، وكذا بعض الفنانين أنفسهم، على حساباتهم وقنواتهم في يوتيوب، فكيف سيكون الحال لو كان هناك جهد منظم، وشركات، وجهات تتبنى نقل الأغنية اليمنية إلى العالم بشكل أكثر احترافية، بالتأكيد سيكون الوضع مختلف، وستفرض الأغنية اليمنية نفسها على المنطقة وربما تصل إلى العالمية أيضا.

 

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)