2016/04/04
حرب التمرد دمرت اقتصاد اليمن وفاقمت الوضع الإنساني

يخلق الوضع الاقتصادي، الذي يعيشه اليمن بعد عام من المعارك الطاحنة، «هواجس» قلق كبيرة، ليس في المجتمع المحلي وعلى مستوى معيشة الأفراد وحسب، بل تعداه إلى الإقليم والمجتمع الدولي المطالبين بوضع حلول عاجلة لإنقاذ حياة ما يربو على 26 مليون نسمة.
وإذا كان الاقتصاد اليمني، يعاني اختلالات كبيرة، حتى ما قبل الحرب الدائرة هناك منذ عام كامل، إلا أن الوضع الاقتصادي، ازداد صعوبة، عقب انقلاب مليشيات الحوثي والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح على الشرعية في اليمن، الأمر الذي ادخل البلد في أزمة إنسانية هي الأسواء له على مدار تاريخه الممتد لآلاف السنين.

يقول عادل عفيف البكيلي، السفير السابق ومدير مكتب منظمة التعاون الإسلامي لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، «الوضع الاقتصادي المؤلم الذي يعصف بحياة سكان الجمهورية اليمنية، حاليا، هو نتاج الانتكاسة السياسة التي تعرض لها اليمن، شأنه في ذلك شأن العديد من البلاد العربية، بسبب المتغيرات المتسارعة في المنطقة تحت مسمى صراعات داخلية، ومسميات متعددة،«سنة وشيعة، إرهاب وقاعدة، شرعية وانفصال»وغيرها لخدمة مشروع يستهدف ضرب دول المنطقة من خلال:

أولاً: تدمير مؤسسات الدولة واستنزاف مصادر تمويل التنمية والتطور والبناء في الدول التي طحنتها الحروب، واستبدالها ببناء القدرات العسكرية، مع استمرار الفقر والتخلف والجوع والمرض، وتراجع مستوى الخدمات بشكل عام.

ثانيا: ضرب كل البنى التحتية، الأمر الذي أدى إلى غياب شبه كامل للخدمات، الكهرباء المنتظمة والمياه النقية، والخدمات الطبية، وخدمات الإغاثة الإنسانية، وتعطيل موارد الدولة، مما انعكس سلباً على مستوى حياة ومعيشة المواطن التي وصلت إلى درجة الصفر، وبمساهمة أيضا من رأس المال الوطني، الذي لم يكن له أي دور في التخفيف من المعاناة، بقدر ما اتجه إلى حماية مصالحه الخاصة والمتمثلة في رفع أسعار السلع المتداولة سواء كانت غذائية أو استهلاكية، لتغدو الأوضاع أكثر تعقيدا، والواقع أشد ألماً.


ثالثاً: بالنظر إلى ما خلفته الحرب من مآس عديدة على غالبية الشعب اليمني، فإن وضع النازحين، الذين دفعتهم المعارك الطاحنة في مدنهم وقراهم، إلى ترك منازلهم وأعمالهم، بات أكثر إيلاما، بعد أن ضاقت بهم سبل العيش والحياة، في ظل غياب الحلول العاجلة التي تساعدهم على الاستقرار والهدوء، من دون إغفال المساعدات الإنسانية التي قامت بها هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، خاصة في المحافظات المحررة من قبضة الميليشيات الحوثية، أو تلك المقدمة من منظمات المجتمع الدولي، «برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية»، وغيرها في المحافظات الخاضعة تحت حكم الميليشيات، لكنها لم تخفف إلا الشيء اليسير من تلك المعاناة في ظل غياب مصادر دخل رئيسية لتلك الأسر، بسبب توقف الأعمال وصعوبة الحصول على الفتات من المال.
ويضيف البكيلي،«شملت الآثار الاقتصادية للحرب جميع القطاعات الاقتصادية في البلد، فهناك قطاعات اقتصادية توقَّفت بشكل كُلي وأخرى تقلَّص نشاطها نتيجة لتحمل القطاع الخاص لأعباء إضافية تهدد استمراريته، الأمر الذي أدَّى إلى فقدان مئات الآلاف لوظائفهم ومصادر دخلهم، إضافة إلى أن الاقتصاد اليمني يواجه تحديات مزمنة، متمثلة في عجز موازنة الدولة الناتج عن الانخفاض الكبير في الإيرادات وتسخير الميليشيات الانقلابية، لموارد الدولة لأغراض عسكرية، إضافة إلى ذلك، فإن هذا العجز يأتي مقترناً بانخفاض هائل في الاحتياطي النقدي للبلد من العملة الأجنبية وما يترتب على ذلك من مخاطر جمة في كافة الأصعدة والمجالات»

تدهور كبير

يقول البكيلي، «تسببت الحرب في توقف إنتاج النفط وسحب السفارات والبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية من اليمن ومع ارتفاع حدة المعارك والمواجهات وازدياد النازحين، وصل الاقتصاد اليمني إلى مرحلة تدهور كبيرة، حيث توقفت إيرادات النفط تمامًا، وما ترتب عليه من فقدان أهم مورد لتمويل الموازنة العامة للدولة وكذا للعملة الأجنبية؛ حيث كان النفط يغطي أكثر من 70% من إجمالي إيرادات الموازنة العامة للدولة، ويُشكِّل أكثر من 85% من قيمة الصادرات. بناء على تقديرات الحكومة في موازنتها للعام 2015. كما أن توقُّف المانحين عن تقديم تعهداتهم بمساعدة اليمن، وتوقف العديد من مشاريع البنية التحتية؛ قد ضاعف من خسارة الاقتصاد الوطني لتلك المبالغ من العملة الأجنبية؛ حيث كانت الحكومة قد توقَّعت الحصول على مليار دولار كمنح خارجية لتمويل موازنة لعام 2015 بما يساوي 9% من الموازنة يضاف إليها المبالغ المتبقية من تعهدات المانحين، وبموجب تقرير الجهاز التنفيذي لاستيعاب المنح وهو الجهاز الذي تم إنشاؤه في نهاية 2013، فإن تعهدات المانحين التي تم التعهد بها في مؤتمر الرياض بلغت 7.9 مليار دولار صُرف منها 3.1 مليار دولار وبقي 4.8 مليار دولار كان يُفترض استيعابها خلال 2015 ولكن لم يحدث بسبب الحرب.

ويستطرد البكيلي، ساهمت الحرب أيضاً في انخفاض القوة الشرائية للمواطن اليمني، نتيجة للارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات وبالأخص السلع الأساسية، نتيجة ارتفاع تكاليف الاستيراد مثل تكاليف الشحن والتأمين وتكاليف فتح الاعتمادات أو التحويلات نتيجة ارتفاع مخاطر الدولة؛ مما تطلَّب من البنوك الأجنبية فرض تكاليف إضافية على البنوك المحلية مقابل فتح الاعتمادات، قد تصل في بعض الأحيان إلى طلب تأمين نقدي يغطي 100% من قيمة الاعتماد أو الالتزام، يضاف إليها ارتفاع تكاليف النقل الداخلية بسبب انعدام المشتقات النفطية، وأيضًا تخوف العاملين في نقل البضائع من أن يكونوا هدفًا للميليشيات المسلحة، وفي نهاية المطاف تُضاف هذه التكاليف إلى سعر البيع للسلعة مما أضاف أعباء إضافية على كاهل المواطن في ظل انعدام فرص العمل وتوقف الإنتاج في العديد من المنشآت وتسريح القطاع الخاص لبعض موظَّفيه.

مشاكل جمة

وترى إيمان محمود ناصر النواصري، استشارية إدارة مشاريع واستاذة في جامعة عدن، «أن هجرة بعض رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج وتوقف البعض الآخر عن الإنتاج قد ضاعف من مشكلة ارتفاع البطالة، إضافة إلى الضغط على احتياطي البلد من العملة الأجنبية، في بلد يعاني أصلًا من نقص في رؤوس الأموال». وتضيف النواصري «هجرة تلك الأموال سترفع حتما، من التحديات الاقتصادية مستقبلًا»، كون تلك الأموال التي خرجت كنتيجة للحرب ستكون من الصعوبة عودتها بعد انتهاء الحرب، فهي بحاجة إلى فترة استقرار سياسي يمكنها من خلاله التأكد من وصول البلد إلى مرحلة مطمئنة من الاستقرار، كما أن جزءًا من تلك الأموال قد يستوطن في البلد الذي رحل إليه، حيث قدَّرت حجم الأموال التي خرجت من بداية الحرب حتى نهاية 2015 بحوالي 6 مليارات دولار.

وتستطرد: تعرَّض القطاع العام الذي كان من المحتمل، أن يغطي جزءاً من المشكلة الاقتصادية، إلى أضرار كبيرة نتيجة للحرب وانقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الوقود بنسبة كبيرة وكذا الانفلات الأمني وتوقُّف العديد من المنشآت الاقتصادية كون بعضها كان في مناطق الاشتباكات، وبحسب نتائج المسح السريع الذي نفَّذته وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي خلال الفترة من منتصف أغسطس/آب حتى سبتمبر/أيلول 2015، إلى أن 26% من منشآت الأعمال أُغلقت، لعدة أسباب، أهمها: التدمير المادي الذي خلَّفته الحرب، لكن الآن وبعد مرور 6 أشهر واشتعال القتال في مدن أخرى فإن هذه النسبة ستتضاعف دون شك أو جدال.

وأشارت النواصري إلى القرار الكارثي الذي أصدرته الميليشيات الانقلابية في وقت سابق والقاضي، بتعويم المشتقات النفطية والسماح للتجار بالاستيراد في ظلِّ غياب مؤسسات الدولة الرقابية وانتشار الفساد، كل ذلك أدَّى إلى ظهور ما يُسمى باقتصاد الحروب وهو سوق موازية يستفيد منها تجار الحروب الذين سيعملون بكل ما أُوتوا من قوة على إطالتها خصوصًا أنهم يتقاسمون تلك الأرباح الطائلة مع المتنفِّذين، فهامش الربح العالي جعل التجار قادرين على شراء الدولار لدفع ثمن وارداتهم من المشتقات النفطية بأي سعر صرف يمكن الحصول عليه، وهو ما سبَّب ضغطاً كبيراً على قيمة الريال أمام العملات الأجنبية، كما أن ارتفاع حدَّة المواجهات المسلحة في العديد من المدن ونزوح أعداد كبيرة من الأُسر وفقدان مدخراتها، كل ذلك عزَّز من معاناة الأُسر اليمنية وجعلها بدون مصدر للدخل وتحول العديد من المنتجين إلى صفوف البطالة؛ حيث بلغ عدد المشرَّدين داخليًّا إلى 2.5 مليون شخص، أي بحدود 10% من عدد السكان حسب إعلان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن في ديسمبر/كانون الأول 2015، وتزداد المخاوف من تضاعف عدد النازحين، في حال استمرار المعارك إلى الأماكن التي لم تكتو بنار المواجهات حتى الآن، كما هو الحال في إب، وحتى العاصمة صنعاء التي لا زالت بعيدة عن المواجهات المباشرة.
وبعيدا عن الخسائر الناتجة عن توقف الإنتاج والتجارة في البلد نتيجة للحرب الدائرة، تقول النواصري «هناك أضرار لحقت برأس المال المادي والبِنية التحتية مثل الطرق والجسور ومنشآت التعليم والطاقة والصحة والإسكان والمياه والصرف الصحي، وحتى اللحظة لا توجد أية إحصائيات رسمية عن حجم الخسائر في البنية التحتية».

الأزمة خانقة

وعن كيفية عودة الوضع الاقتصادي، حتى على الأقل إلى ما كان عليه قبل انقلاب الميليشيات الحوثية، يقول البكيلي، قبل الحديث عن اصلاح الوضع الاقتصادي، لابد من الوصول إلى«تسوية»سياسية عاجلة لإطفاء لهيب المعارك، تحت إشراف دول التحالف العربي، والدول الكبرى، إذ إنه لن يستقيم وضع الاقتصاد، إلا بالاستقرار السياسي، وعدا ذلك قبض للريح وحصيد للهشيم، ثم رفد ودعم اليمن بمليارات الدولارات، لإعادة البنى التحتية المدمرة، وتوسيع النشاط الرأسمالي السلعي «الصناعات والتسويق»، وترميم الحالة النفسية المتعبة عند غالبية الشعب، وحل مشكلة الإعمار والتعويضات، والعمل على تلبية الاحتياجات الضرورية، واستعادة دور مؤسسات الدولة، وفتح باب التجارة والاستثمارات، وإطلاق عجلة التنمية، وبناء الإنسان اليمني، باعتباره زاوية النجاح الرئيسة في العملية، كما يجب أن تتسارع جهود دول الاقليم، وأعني بهم إخوتنا في الخليج العربي، والعمل على ادخال اليمن في منظومة «مجلس التعاون الخليجي»، باعتبارها عمقاً استراتيجياً هاماً لها، يستقيم عود أمنها واستقرارها، باستقرار اليمن، ووضع الخطط والاستراتيجيات العريضة لإنعاش الاقتصاد اليمني، والاستقلال الأمثل لموارد وقدرات البلد الطبيعية والجيولوجية والبشرية، والتي لم تستقل حتى اللحظة بالشكل الصحيح، أو انه تم تجييرها لمصلحة مراكز قوى محددة، وترك الشعب يتلمظ بنيران الأسى وحده طوال عشرات السنين الماضية.

تم طباعة هذه الخبر من موقع مندب برس https://mandab-press.net - رابط الخبر: https://mandab-press.net/news29199.html