الأرشيف

مشاهد من تعز

الأرشيف
الاربعاء ، ١٧ يونيو ٢٠١٥ الساعة ١١:٢٢ صباحاً

عمار زعبل


كان يوماً دامياً، جراء قصف الحوثيين تعز، وسط اليمن، سقط أطفال ونساء، قذائف الدبابات وصلت إلى منازل ومدارس ومستشفيات كثيرة داخل المدينة. في الأحياء السكنية، وجد الحوثيون وقوات صالح ضالتهم. قُتل عمّار الذي لا يتجاوز عمره 10 سنوات برصاص قناص في حي الجمهوري الذي له دلالة كبيرة. يذكّر المقاومين، لماذا يقاتلون. إنهم يقاتلون من أجل الإنسان والأرض من أجل الجمهورية الذي أراد بعضهم اختطافها، فاختطفوا روح عمار وأطفالاً ونساء ورجالاً كثيرين في سائر الأرض اليمنية.

 

مشهدٌ آخر، ويتكرر كثيراً، في عدو لا يفرق بين امرأة ورجل، بين طفل وشيخ كبير، تعود أسرة بعد أن نزحت إلى بيتها، لأخذ حاجياتها. يظهر فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي حجم الفاجعة والبشاعة الحوثية، في الآن نفسه. يد قناص تختطف فتاة من بين أخواتها الإناث، تحت أي مبرر هذا الموت والقتل، بماذا سيجيب، إذ سُئل يوماً هذا القناص، بأي ذنب قتلت.

 

في أطراف المدينة مشهد آخر، إنه الزحف، زحفُ الأرياف والحشود التي أرادت أن تنتصر لتعز، المدينة والرمزية، أرادت أن تفك الحصار عنها، بعد أن تحصن في داخلها القتلة، واتخذوا من الأهالي وكل شيء درعاً ومتراساً لاصطياد الحياة في مدينة تعشق الحياة حتى الثمالة.

 

انتصارات يومية في جبهتي الضباب والستين، تدمير آليات، فرار للحوثيين، مع إحراق مقراتهم داخل المدينة، بل قرب معاقلهم الحصينة، في أحضان جبل صبر الذي لن يصبر عليهم كثيراً، فلا بد، في الأخير، أن يركلهم بعيداً، ويلفظهم، كما لفظتهم تعز، بل اليمن بأجمعها.

 

لم يكن أمام قوات الحوثي وصالح إلا القصف، أرادوا أن يعمموا الخوف، كما عهدهم، في أي مكان وصلت إليه أياديهم الملطخة بدماء الأبرياء. أحرقوا متاجر تجارية، لكنهم لم يحرقوا إرادة المقاومة والتغيير. قتلوا اليوم فقط، كما قالت مصادر طبية، 5 مدنيين وجرحوا 45 آخرين، وقنصوا 3 منهم عمار.

 

في صورة أخرى، لا يختلف المشهد كثيراً إلا من زاوية التصوير. فتاة صغيرة، لا يتجاوز عمرها 7 سنوات، تحتضن قذيفة، وصلت إلى بيتها، وتنفجر، أطلقها جندي. أراد، من خلالها إزهاق أرواح، أراد أن يتلذذ بالانفجار والموت، لكنها القذيفة لم تستجب له، ولا لأوامر قادته الذين يوزعون الموت في كل شبر وزاوية، احتضنتها الفتاة، لتؤصل رسالة مفادها بأن للحياة بقية، للسماء رحمة لا تنفد.

 

تعز، طائر الفينيق الذي لا بد أن يطير، ولو من بين الرماد، شباب شارع جمال، والأحياء المحيطة به، لهم طقسٌ ومشهدٌ آخر، لا يبتعد كثيراً عن طقس المقاومة. فعلى الرغم من القصف والاستهداف، خرج الشباب متخذين من الشارع ملعباً لهم، ومحتضناً مباراة نهائية لدوري مديرية المظفر التي تحمل دلالة الظفر والنصر. هكذا أرادوا أن تكون رسالتهم أن إرادة حاضرة الملك الرسولي "المظفر" لا تقهر، ولا تعرف الانكسار.

 

إنه دوري أبطال المقاومة، فلها في تعز رياضةٌ وفنٌ وتصويرٌ ومسرح. فاز فريق "الضربة"، وفاز الفريق الآخر أيضاً، وفازت تعز، الحاضرة والريف، فازوا على القراصنة والغزاة، كما يسمونهم. كان التصفيق والتكريم على الرغم من القصف العشوائي والعنيف على الأحياء السكنية من المليشيات الحوثية وقوات المخلوع صالح.

 

هكذا ودعت المدينة أصيل يوم دام ومشرق أيضاً بالحياة، حصار وموت وحياة وانتصار، ففي حين تودع شهداءها إلى عرسهم "مثواهم" الأخير، تربت على أكتاف أبطالها بأن النصر قادم، وما النصر إلا صبر ساعة.