الرئيسية > تحقيقات وحوارات > المنسيون في اليمن .. جحيم الحرب يأكلهم (تقرير)

المنسيون في اليمن .. جحيم الحرب يأكلهم (تقرير)

المنسيون في اليمن .. جحيم الحرب يأكلهم (تقرير)

على بعد عشرات الأمتار من شارع الستين الشمالي بالعاصمة اليمنية صنعاء، يعيش "محمد سالم."، في نصف غرفة مبنية من الحجارة ، ويغطيها "كراتين"، وطربال"، رفقة عائلته المكونة من طفلتين و3 أولاد، إضافة إلى زوجته.


لم يكن هذا هو حاله قبل عام من اليوم، لكن الحرب التي تعيشها اليمن، أخرجته وأسرته من شقة كان يسكنها في إحدى العمارات وسط صنعاء، كان ايجارها الشهري 25 ألف ريال.

 

قبل الحرب كان محمد يعمل في محل ملابس يتقاضى منه شهرياً 50 ألف ريال، أما اليوم وبعد ان استغنى مالك محل الملابس عن محمد وبعض اصدقائه، لم يجد عملاً آخر، الأمر الذي دفع مالك المنزل لطرده بعد تراكم ايجار ثلاثة أشهر.

 

يقول محمد لـ"مندب برس"، "الحرب قذرة، ليس هناك منتصر، لكن هناك متضرر، أنا أحد من تضرر من هذه الحرب، وكثير من أمثالي يدفعون الثمن، على الرغم اننا لسنا طرفاً فيها"

 

وأعلن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بدء عملياته العسكرية باليمن، في 26 مارس مطلع العام الجاري، ضد ميليشيات الحوثي وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ولا تزال رحاها تدور في معظم المدن اليمنية حتى اليوم.

 

المنسيون .. جحيم الحرب يأكلهم
تقول منظمات دولية وأخرى تابعة للأمم المتحدة، أن من يعيش تحت خط الفقر من اليمنيين ارتفع في السنة الأخيرة ليصل إلى أكثر من نصف سكان اليمن، المقدر بـ25 مليون.

 

وسقط الآلاف من القتلى والجرحى في الحرب الدائرة في البلاد، بينهم الكثير من المدنيين، يتحمل طرفي الحرب سقوط اولائك الضحايا.

 

والمنسيون في اليمن، هم من لم يشاركوا بشكل مباشر في الحرب سواءً مع ميليشيات الحوثي وقوات صالح، أو مع المقاومة الشعبية والتحالف العربي، إلا أنهم تضرروا بشكل مباشر منها، إما بسقوط قتلى من المدنيين أو بتدمير منازلهم، أو بتوقف دخلهم اليومي، من خلال توقف أعمالهم أو تضررها واغلاقها.

 

واختلفت تلك المشكلات التي تعرضوا لها، وعلى سبيل المثال يرصد "مندب برس"، بعضاً من تلك الأسباب التي جعلت عشرات الآلاف من المدنيين لا يجدون مصدر رزق بسبب توقفه.

 

 

 

"بحسب استطلاع قمنا به، كان أبرز مصادر الرزق التي توقفت وانعكست سلباً على العاملين فيها":

1- المؤسسات والمنظمات والشركات الخارجية التي كانت تعمل باليمن، وتوقفت او اغلقت ابوابها، إضافة إلى شركات محلية"، ومؤسسات خيرية أغلقتها ميليشيات الحوثي وصالح
2- توقف محلات تجارية عن العمل ومصانع لاعتمادها الرئيسي على الكهرباء التي انقطعت منذ أشهر، إضافة إلى انعدام المشتقات النفطية، وكذا ضعف الاقبال على الشراء.
3- تدمير مزارع كبيرة كانت تساهم في تشغيل يد عاملة خصوصاً في المحافظات الحدودية مع السعودية كصعدة وحجة، وضعف العمل في الصيد بالسواحل اليمنية بسبب الحظر الدولي، اضافة إلى المناطق التي قصفت في العاصمة صنعاء او غيرها والتي تضررت كثيراً من المؤسسات والمحلات بسبب القصف فيما اضطر الاخرين إلى اغلاقها خشية على ارواحهم وممتلكاتهم.


يبيع ممتلكاته ليسدد ايجار منزله
عابد صالح، واحد ممن تضرر بشكل مباشر من الحرب، فهو الذي لم يكن يتوقع ان يأتي يوماً ليبيع جزءاً من ممتلكات منزله ليسدد إيجار شقته ويطعم أولاده.

 

يقول لـ"مندب برس"، "كنت اعمل في شركة سفريات وسياحة كمدير عام، ولكن بسبب توقف الرحلات الجوية والبرية، وتوقف العمل بشركتنا، تم الاستغناء عني وبقية زملائي".


يضيف "لم يتنازل مالك المنزل عن ايجارات الشقة التي اسكنها، ما اضطرني لبيع بعض ممتلكات بيتي لكي أبقى فيها".

 

يقول عابد انه بدأ بتجهيز نفسه للرحيل إلى السعودية للعمل في أي مجال ، من أجل الحصول على المال ليتمكن من سداد ما عليه ومساعدة اسرته على البقاء بدون يد أيديهم للآخرين.

 

وليس ببعيد عن عابد، فرضوان محمد هو واحد من عشرات الآلاف من المتضررين، حيث حرمته الحرب والاوضاع من الاستمرار في بيع "الياقوت والخواتم العادية"، في سوق باب اليمن، وهو الذي اعتاد البقاء فيه.

 

رضوان في حديثه لـ"مندب برس"، يحكي بدء معاناته ابتداءً من يوم الانفجار الكبير الذي وقع في جبل نقم بصنعاء، وهو اليوم الذي بسبب خوفه اختفت "بضاعته"، "او انسرقت"، حسب ما يقول"، ولم يجد منذ ذلك اليوم اي شيء ليبيعه ويصرف على أسرته.

 

يقول ان مالك المنزل الذي كان يسكنه في حي "جدر"، احتجز عفش منزله، حتى يسدد ايجار شهرين مبلغ 30 ألف ريال، وانه اضطر لترحيل اسرته للقرية ليعود للمدينة للبحث عن اي عمل لاخراج ما يملك في ذلك المنزل.

 

طرفا الحرب لا يبالون بـ"المنسيون"
يجمع الكثير من اليمنيين ان الحوثيون وقوات صالح، اضافة إلى المقاومة والتحالف لا يبالون بما يعانيه فئات الشعب التي ارتفعت نسبة الفقر بشكل كبير.

 

تصر جماعة الحوثي وعلي عبدالله صالح على الاستمرار في الحرب وقصف المدن التي خرجت عن اطارهم، وكذا ملاحقة معارضيهم واختطافهم ونهب منازل واقتحام مراكز ومؤسسات واغلاق الكثير منها.

 

كما ترفض جماعة الحوثي وصالح الانصياع لقرار مجلس الأمن 2216، وتصر على الحصول على مكتسبات لاستمرارها في الحكم في اي مرحلة انتقالية، خصوصاً مع احتكار الجماعة المسلحة لمقومات الدولة واحتياجات المواطنين الأمر الذي دفع الكثير من المواطنين للتذمر من تلك الممارسات.

 

وغير بعيد ساهم التحالف على وجه الخصوص اضافة للمقاومة، في هذه المعاناة، يقول كثير من اليمنيين إن التحالف لا يهتم بالمدنيين من خلال القصف العشوائي احياناً والذي يتسبب بسقوط ضحايا من المدنيين، اضافة إلى تضرر ممتلكات خاصة وتدمير مصادر رزق للالاف منهم.

 

كما ان استمرار الحرب في بعض المناطق بين المقاومة والحوثيين جعل من تلك المناطق اشبه بمدن "اشباح"، ودفع الكثير من السكان إلى النزوح خشية على أرواحهم.

 

المنسيون .. يدفعون الثمن مرة أخرى
مع استمرار الحرب وتجرع الالاف من الاسر لانعدام مصدر رزقهم، دفع الوضع القائم الكثير من الاسر والأشخاص لاستخدام بدائل لتمكين اسرهم من العيش.

 

يقول ناجي السلطان لـ"مندب برس" إن إحدى الاسر التي بمنطقته اضطرت تحت اغراء الجماعة المسلحة إلى إرسال نجلها للمشاركة في الحرب مقابل حصولهم على مبلغ 30 الف ريال شهري، غير مصروفه اليومي بالحرب.

 

يضيف السلطان "بعد شهر من ذهاب ابنهم للحرب، عاد إليهم، لكن في كفن حيث قتل في إحدى جبهات القتال".

 

لا تأبه جماعة الحوثي لعدد الضحايا الذين يسقطون في حروبهم، بقدر ما سيكون الألم أكبر على الاسرة التي فقدت أحد ابنائها مقابل مبلغ بسيط، اضطرت لذلك من اجل ان تعيش بعد ان اغلقت الابواب امام رب الاسرة.

 

كما دفع الوضع بعض الاشخاص اللجوء لأفعال أخرى، منها السرقة والسطو، حيث انتشرت بشكل كبير اعمال السرقة في العاصمة صنعاء وبعض المدن، وأصبح المواطن لا يأمن على نفسه من السرقة خصوصاً في الاماكن ضعيفة الحركة او في وقت الليل.

 

فيما اضطرت بعض الاسر إلى اخراج اطفالها إلى الشوارع للتسول من اجل الحصول على المال، فيما الكثير من تلك الاسر غادرت للقرى وتعيش اوضاعاً صعبة تبحث عن من ينتشلها.

 

المنسيون، هم من يدفعون ثمن الحروب، وغالباً لا احد يلتفت لهم، ما يجعلهم بين عداد الموتى او ضمن عصابات الاجرام.

 

 

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)