كتب السيد بيتر ماورير رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن مشاهداته الأخيرة في اليمن. ففي مقتطفات من المقال الأخير للسيد بيتر ماورير والذي نشر بتاريخ 16 سبتمبر 2015 في مجلة نيوز ويك نقل الكثير من مشاهد البؤس والمعاناة التي يعيشها المجتمع اليمني في ظل حروب داخلية وقصف خارجي. وقال السيد ماورير في مقالته:
لا تتبدل أقنعة المعاناة ولا تتغير فهي باقية كما الصراع، ففي الأونة الأخيرة عرفت ذلك في اليمن. إذ قابلت رجل في صنعاء القديمة قد دمر منزله وفقد أربعة من اقربائه وأصبح يعيش وحيدا دونما قريب ومنهزما دونما حبيب. قد تلحظ ذلك في عينيه.
تنتقل في أرجاء اليمن وتجد المعاناة ذاتها، ففي عدن، التي تبعد حوالي 250 ميلا عن صنعاء العاصمة وفي الخطوط الامامية لجبهة القتال، قابلت صبيا في سن المراهقة في قسم الطوارئ بمستشفى بعدن تعرض لحروق بليغة في جسده. في عينيه أيضا ترى ذات اليأس وذات المعاناة.
هناك لا احد معصوم من المعاناة ولا أحد بمنأى عنها، فبعد عودتي من اليمن بأيام قليلة علمت عن مقتل إثنين من موظفينا وهم يؤدون واجبهم الإنساني في مد يد العون والمساعدة للمحتاجين.
يضفي على الصراع في اليمن طابع إقليمي وهذا ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً والوضع الإنساني أكثر خطورة. والخدمات الأساسية تتقاذفها موجات الصراع، فالصحة والكهرباء والمياه تكاد تكون شبه معدومة ولا حلول للنزاعات القائمة وكلما تبدى حل ما جرفه مد الصراع وجزره مع كل موجة قتال جديدة.
تعد اليمن واحدة من دول الشرق الأوسط التي تشهد اضطرابات عنيفة: فقد رأينا جميعنا حالة الدمار والفوضى التي تشهدها كلاٍ من العراق وسوريا. وبعيداً عن الشرق الأوسط، تجد افريقيا ساحة لاقتتال ونزاعات من مالي الى ليبيا ومن شمال نيجيريا الى جنوب السودان. ويستمر الصراع في أوكرانيا أيضا.
تشتد المعاناة وعلى نطاق واسع والشعوب تحاول تخطيها بأكثر صعوبة من أي وقت مضى لتهرب من الخوف وعدم اليقين.
دعوني أعرج مرة أخرى على الوضع في اليمن. التقيت أحد المرضى الذين يتلقوا العلاج في مستشفى تديره طواقم اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أطباء وممرضين وفنيي تخدير وغيره. فالمستشفى يعمل فقط لأننا هناك. في مكان آخر، وجدت مهندسينا يعملون مع مؤسسات المياه والصرف الصحي المحلية لإصلاح نظام المياه والصرف الصحي التي تضررت أثناء القتال.
وفي أماكن اخرى وجدنا موظفي اللجنة الدولية للصليب الاحمر يقومون بتركيب نقاط جديدة لتوزيع المياه لضمان الوصول لها على المدى البعيد. وفي مدينة اخرى نقوم ببناء مركز للأطراف الاصطناعية. كما أن موظفينا يشاركون في برامج التخلص من النفايات والقمامة.
وبعبارة أخرى، فإننا نتعامل مع أكثر من الاحتياجات قصيرة المدى مثل البطانيات والايواء. اننا نعمل على الخدمات التي تساعد المجتمع على البقاء على قيد الحياة، على المدى المتوسط والطويل. فنحن لا نقوم بذلك في اليمن فقط بل في بلدان كثيرة في العالم. اننا نحاول الحفاظ على تماسك النسيج الاجتماعي من خلال خلق حالة من الاستقرار الاجتماعي وسبل العيش.
ما نشهده اليوم هو تغير في طبيعة عملنا. فكلما استمرت الصراعات لفترة اطول، كلما ازداد حجم الاحتياجات التي ينبغي ان نتكيف معها. فهناك ضبابية كبيرة في التفريق بين المساعدة الإنسانية العاجلة والاحتياجات التنموية طويلة المدى.
إذا لماذا تقوم اللجنة الدولية بذلك؟ تقوم اللجنة الدولية بكل ذلك لأنها تتميز بوضع فريد من نوعه، فهي على استعداد تام للذهاب إلى أماكن قد لا يستطيع أحد الوصول اليها وبإمكانها القيام بأشياء لا يستطيع أحد القيام بها وذلك بسبب المبادئ التي شكلت أسس منظمتنا عندما انطلقت قبل 150 عاما وهي "الحياد" و"الاستقلالية" و"عدم التحيز".
باتباع هذه المبادئ بالحرف الواحد، لدينا القدرة على التحدث مع المقاتلين في ضفتي جبهة القتال حول ضرورة احترام المدنيين. ولدينا القدرة على إعادة بعض من الثقة والبنية التحتية التي قد فقدت. وهذا يمدنا بالقدرة على بذل المزيد من الجهد.