يبدي النازحون في محافظة مأرب، شرقي اليمن، جَلَدَاً متناهياً في مواجهة تقلبات الجغرافيا وعوامل التعرية، يحدوهم أملٌ كبيرُ في أن يعودوا إلى ديارهم التي نزحوا منها بفعل ميليشيا الحوثي، قريباً. ويسرد محمد أحمد الشليف، من أهالي مأرب، شرقي اليمن، قصة استشهاد اربعة من اشقائه في مواجهات ضد ميليشيا الحوثي الانقلابية وقوات موالية للرئيس المخلوع علي صالح، مفاخراً انهم استشهدوا دفاعاً عن الدين، الأرض، والعرض.
ويروي الشليف لـ«البيان» بحرقة، كيف فجر الحوثيون منازلهم و«مضافهم»، الذي له رمزية لدى القبيلة، وهو مكان يستقبلون فيه الضيف ويقدمون له الطعام في باحته.
ومحمد، ضمن مئات الأسر التي نزحت من منطقتي صرواح والزور إبان اجتياح الحوثيين لهما في ابريل الماضي، ما اضطر السكان إلى مغادرتهما بحثاً عن مناطق آمنة.
حياة أشبه بالمغامرة
في منطقة الروضة يقطن النازحون في مساكن مصنوعة من أعواد الأشجار، وتفتقر إلى أدنى مقومات الحياة وسبل العيش الكريم، لكنهم رغم ذلك يمتلكون إرادة وعزيمة منقطعة النظير، في مواجهة ظروف استحالت حياتهم معها إلى ما يشبه المغامرة أو المصير المجهول.
في إحدى هذه المساكن الخشبية استقبلنا محمد بحفاوة العربي المعروفة، كنا قبلها قد أجرينا معه اتصالاً هاتفياً لنعرف من خلاله أحوال النازحين وظروف عيشهم، يقدم طفل صغير يبدو أنه من أقارب محمد لنا الشاي في أكواب زجاجية، بينما يسكب محمد الماء من علبة بلاستيك ملفوفة بالقماش الذي يساعد في تبريدها.
نحو الثالثة عصر من يوم السبت، كان أطفال النازحين يلهون ويلعبون، وحدهم الأطفال، ربما، من لا يدركون مرارة النزوح وشظف العيش خارج القرى والمدن خوفاً من القتل، كل ما يعرفونه أنهم غادروا قريتهم بفعل الحوثيين.
نحو 700 أسرة تعيش فيما يشبه العراء، عدا بعض أعواد من خشب ليس بوسعها حمايتهم من حرارة الصيف ولا برد الشتاء، في ظل غياب شبه تام لدور السلطات هناك.
التعليم البديل
يتحلّق الأطفال، ذكوراً وإناثاً، حول مدرس للقرآن الكريم قدم من محافظة الحديدة غربي البلاد، طمعاً في أن يعوضوا ما خسروه من تعليم في المدارس النظامية التي دمرتها الحرب، نتيجة تمترس الحوثيون في مبانيها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية ومستودعات للأسلحة والذخيرة.
ويقول الطفل هادي الشليف، الذي يدرس في الصف الخامس الأساسي، إنه يتمنى العودة إلى قريته ليواصل تعليمه، وأن مدرسته جعلها الحوثيون مخزناً للسلاح فتعرضت للقصف.
يتابع هادي، «لابد أن نعود إلى مساكننا، صحيح أن الحوثي تسبب في تدميرها وخرابها، لكن حالتنا التي نعيش الآن لا يمكن أن تستمر، إنها حياة استثنائية وغير قابلة للاستمرار».
وعلى الرغم أن مكتب التربية والتعليم في مأرب أعلن أن الأحد الماضي هو أول أيام العام الدراسي الجديد، إلا أن النازحين خارج هذا القرار، وسيظل أبناء النازحين يترقبون عودتهم إلى قراهم لمتابعة دراستهم.
حلول في انتظار التنفيذ
يقول الصحافي أحمد ربيع، وهو أحد النازحين في المنطقة، إن النازحين يمرون بأوضاع صعبة من الناحية المعيشية وانعدام الكهرباء وشحّ المياه.
ويُعدد ربيع لـ«البيان» الصعوبات التي تثقل كاهلهم وتزيدهم ارهاق وعناء، وعلى رأسها الماء الذي تتضاعف أسعاره يوماً عن آخر، فيما تتدهور الحالة الاقتصادية للسكان، بسبب قطع رواتب البعض وتأخر البعض الآخر، إضافة إلى جوانب التعليم والصحة التي ليست على ما يرام.
ويرى ربيع أن الحلول التي بإمكانها الاسهام في التخفيف من وطأة النزوح هو أن تقوم السلطة المحلية في مأرب وقيادة التحالف بإيلاء موضوع النازحين اهتماماً كبيراً في المناطق المحررة وإزالة الألغام ومخلفات الحرب وفحص سلامة تلك المناطق.