الرئيسية > منوعات > ثلاثة انقلابات عربية قاد منفذوها بلدانهم إلى التنمية

ثلاثة انقلابات عربية قاد منفذوها بلدانهم إلى التنمية

ثلاثة انقلابات عربية قاد منفذوها بلدانهم إلى التنمية

غالبًا ما تكون كلمة انقلاب مفزعة للبعض، ومحبطة للبعض الآخر، خصوصا في بلادنا العربية، فتاريخ منطقتنا العربية الحديث مليء بأحداث انقلابية، قاد منفذوها بلدانهم في معظمها إلى الأسوء، إلا أن هناك بعض الانقلابات قد تكون ضرورة، ووسيلة لتحقيق غاية نبيلة، خصوصًا إذا ما كان منفذوها أصحاب رؤية ثاقبة، ونية صادقة بالتغيير في خط مسار شعوبهم، تغيير يقود بلدانهم إلى التنمية والنهضة وإلى كل ما هو أفضل.

سنستعرض في هذه السطور ثلاثة انقلابات بيضاء، لم ترق فيها قطرة دم، وأسهمت في نهضة البلدان التي حدثت فيها، وهي ظاهرة فريدة لا تحدث في تاريخ الشعوب دائمًا.

1 ـ السلطان قابوس بن سعيد

’’إني أعدكم أول ما أفرضه على نفسي أن أبدأ بأسرع ما يمكن أن أجعل الحكومة عصرية، وأن أزيل الأوامر غير الضرورية التي ترزحون تحتها، سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء بمستقبل أفضل، وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب‘‘

بهذا البيان الأول، وبهذا الوعد الذي قطعه على نفسه أمام شعبه، دشن السلطان قابوس مسيرة التنمية التي قاد بها بلاده وشعبه خلال فترة حكمه المستمرة.

عام 1970 نفذ السلطان قابوس انقلابًا أبيض على والده سعيد بن تيمور، الذي كثرت في عهده البلابل وانعدمت التنمية وضعفت الدولة، وبدأت أصوات معارضة في الشمال تدعو إلى إعادة نظام الإمامة، وأخرى في الجنوب تنادي بالانفصال وإقامة دولة اشتراكية.

كذلك شهدت البلاد في تلك الفترة ضعفًا في الاقتصاد وارتفاعا في معدل الفقر والبطالة، حيث بلغ إجمالي الناتج العماني حينها نحو 90 مليون دولار، ولم يتجاوز دخل الفرد 150 دولار.

وقتها كان السلطان قابوس وهو الابن الوحيد للسلطان سعيد بن تيمور، شابًّا مفعمًا بالطموح وذا تأهيل علمي جيد، فقد تخرج من أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا برتبة ملازم ثاني في العلوم العسكرية، ثم تلقى تدريبًا في أسلوب الإدارة في الحكومة، وتعمق خلال سنوات في دراسة الدين الإسلامي وتاريخ وحضارة سلطنة عمان دولة وشعبًا على مر العصور.

لم يرق لهذا الشاب ما وصلت إليه بلاده خلال حكم والده، فعمد إلى إزاحة والده عن الحكم في 23 يوليو 1970 وأمسك بزمام السلطة، ثم انطلق يقود مسيرة التنمية.

فبدأ بإطلاق مصالحة وطنية مع كل المعارضين السياسيين، ودعاهم للمشاركة في الحكم بدلًا من دعوات التمزق والانفصال، وأصدر عفوًا سياسيًّا عن كل المعارضين، ثم توجه يدعو القبائل للتوحد تحت لواء دولة واحدة تجمع كل قبائل عمان، وتكفل لهم حقوقا متساوية وتنمية تعود بنفعها على الجميع.

وبالفعل فقد استطاع في سنوات قليلة توحيد الصفوف، وسد فجوات التمزق التي كادت تعصف بعمان، ولمّ شمل الشعب وتكريس ثقافة التسامح والبناء المجتمعي لدى العمانيين، ويكفينا أن نعرف بأن أبرز المطالبين بدعوات الانفصال حينها يشغل حاليًا منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، وهذا يدل على صدق المصالحة التي دعا إليها السلطان قابوس، ونجاحه في توحيد كل الفصائل السياسية تحت شعار عمان للجميع.

إن مسيرة التنمية التي قادها السلطان قابوس خلال 42 عامًا من حكمه، تتجلى اليوم فيما وصلت إليه عمان من التطور والنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي والاجتماعي، رغم ما تمر به المنطقة اليوم من حروب وصراعات عديدة.

ففي عام 2015 وصل إجمالي الناتج المحلي إلى 172 مليار دولار، بينما وصل دخل الفرد إلى 45 ألف دولار، ووصل مؤشرالتنمية إلى 0.783 بتصنيف عالٍ، كل ذلك بفضل انقلاب أبيض لشاب طموح أخذ على نفسه عهدًا بأن يقود بلاده إلى الأفضل، وكذلك فعل.


2 ـ الرئيس ابراهيم الحمدي

“نحن خدامٌ لكم لا أسيادٌ عليكم”

كانت تلك كلمات الرئيس الحمدي التي يرددها مرارًا وتكرارًا منذ أن تولى الحكم في اليمن، وجسدت بالفعل منهجه وفلسفته في الحكم.

في 13 يونيو 1974 قاد المقدم ابراهيم الحمدي انقلابًا أبيض سمي بحركة 13 يونيو التصحيحية، لينهي حكم الرئيس القاضي عبد الرحمن الأرياني الذي كان يُنظر لإدارته بأنها ضعيفة وغير فعالة، وصعد المقدم ابراهيم الحمدي للحكم برئاسة مجلس عسكري لقيادة البلاد، وبدأ في هيكلة الجيش اليمني لمواجهة المشيخات القبلية.

رأى الرئيس الحمدي، وهو الشاب المتعلم ذو العقل المتنور، أن المشايخ القبليين وتصرفاتهم عائق أمام مشوار التنمية الذي يطمح بتنفيذه، فقام بإبعاد العديد من شيوخ القبائل من قيادة المؤسسة العسكرية وأجرى إعادة تنظيم واسعة للقوات المسلحة، فاستبدل العديد من القادة العسكريين، خاصة ممن يحملون صفة “شيخ قبلي” بقادة موالين لتوجه الحركة التصحيحية التي يقودها، وأعاد بناء القوات المسلحة اليمنية وهيكلتها، فأنزل جميع الرتب العسكرية إلى رتبة مقدم بما فيها رتبته، مما أعاد للجندي والضابط الهيبة المفقودة.

صنعت تلك القرارات الحازمة أعداء كثر للرئيس الحمدي، سواء من مشائخ القبائل، أو القادة العسكريين وحتى بعض الجهات الخارجية، لكن ذلك لم يثنه عن قيادة سفينة التنمية التي آمن بها ووعد بها شعبه.

ووفقا لوثائق ويكيليكس، فقد أراد الرئيس الحمدي أن يكون اليمن الشمالي مثالًا يحتذى به للدول المجاورة، وكان يُخطط لإقامة ما سماه بالمؤتمرات الشعبية، والتي كانت البذرة الأولى لما أصبح يعرف بحزب المؤتمر الشعبي العام، وكان الهدف من هذه المؤتمرات الشعبية هو الاستعداد لإقامة انتخابات ديمقراطية وانسحاب الجيش تدريجيًا من المشهد السياسي.

يذكر المؤرخون والأحياء الذين عايشوا تلك الفترة، أن اليمن لم تشهد أبدًا حالة من الرخاء الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي كما حصل في عهد الرئيس الحمدي، حيث تلاشت مظاهر الفقر والبطالة والبؤس والحرمان، وبدأت مرحلة العصر الذهبي للاقتصاد الوطني واقتصاد الفرد.

خلال 41 شهرًا فترة حكم الحمدي شهدت اليمن نهضة كبيرة، فبُنيت مؤسسات الدولة وأنشأت الوزارات والهيئات الحكومية، وبُنيت المدارس والجامعات، وأطلق برنامج التعليم المجاني للجميع، واسُتخرج النفط وشُقت وعُبدت الطرق بين معظم المدن، ونُسجت العلاقات الدبلوماسية مع دول الجوار ومختلف البلدان، ونشطت حركة التجارة الداخلية والخارجية، وحل الأمن والأمان ربوع اليمن، وغُرست جذور الوحدة اليمنية مع دولة الجنوب حينها، وظلت عجلة التنمية في تسارع بمختلف المجالات حتى امتدت أيادي الغدر الآثمة لتوقف دوران العجلة.

في يوم 11 أكتوبر 1977 اكتست سماء صنعاء بالسواد، فقد اغتيل الرئيس الحمدي على أيدي الحاقدين الفاسدين، الذين لم يرو فيه إلا عدوا يقف ضد مصالحهم وأطماعهم، وكان أبرز المنفذين لعملية الاغتيال علي عبد الله صالح وحسين الغشمي وغيرهم.

قُتل الحمدي الرئيس الإنسان، واغتيل بذلك الحلم اليمني، اغتيلت مسيرة التنمية، بل اغتيل الشعب اليمني بأكمله، ولم تشهد اليمن خيرًا قط بعد رحيله.

مات الحمدي ولم يورث دينارًا ولا درهمًا، حتى الهدايا الشخصية التي كانت تأتيه كان يضعها في خزينة الدولة، كان يقول عنها بأنها ملك الشعب، ولو لم أكن رئيسًا لما أهديت لي الأموال والعطايا.

لقد رحل الحمدي بعد إنجازات هائلة حققها خلال فترة حكمه القصيرة، رحل بروحه وجسده، لكن أسطورته ما زالت تنبض في قلب كل يمني، بكاه الشعب حينها، ومازالت تبكيه الأجيال المتعاقبة.


3 ـ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني

قبل وصوله إلى السلطة، كانت قطر دولة منسيه لا تكاد تذكر، ورغم ما تمتلكه من ثروات إلا أنها كانت خلال فترة حكم والده الشيخ خليفة آل ثاني دولة جامدة انعدمت فيها التنمية، ويعيش سكانها على متوسط دخل ضئيل، بسبب عدم استغلال مواردها وثرواتها بالشكل الأمثل.

لم يعجب ذلك الوضع الشيخ حمد بن خليفة، وهو الحاصل على شهادة أكاديمية ساندهيرست الملكية، ويطمح بأن يرى بلاده في مصاف البلدان المتطورة، فقام في 27 يونيو 1995 بتنفيذ انقلاب أبيض على والده أثناء تواجده في الخارج، وسيطر على مقاليد الحكم منذ تلك اللحظة.

وبدأت بذلك قطر تخطو خطى متسارعة نحو التنمية بقيادة الشيخ حمد بن خليفة، حتى سلم الراية من بعده لولده تميم طواعية عام 2013 ليكمل درب التنمية، في بادرة فريدة لم تشهد لها دول المنطقة العربية مثيلًا في التاريخ الحديث.

خلال فترة حكم الشيخ حمد تمت كثير من الإنجازات على الصعيدين المحلي والدولي، فعلى الصعيد المحلي تم في عهده إقرار دستور قطر الدائم بعد التصويت عليه، وأجريت أول انتخابات للمجلس البلدي، وفُتح المجال أمام حرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير بعد إلغاء وزارة الإعلام، كما يتم الإعداد لإجراء أول انتخابات برلمانية على مستوى الدولة.

وشهدت قطر تطورًا في جميع النواحي العمرانية والاقتصادية والعلمية والرياضية، حيث بدأت في معرفة التطور العمراني والبنية التحتية في ظل حكمه، كما أنشأ سوقا للأسهم ووسع الاستثمارات الوطنية في استغلال المعادن الطبيعية في باطن الأرض، وتم اكتشاف أكبر حقل غاز في الجزيرة العربية، يحوي بداخله ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم.

كما أنه شجع التعليم فجعله إجباريًّا من الناحية القانونية من سن السابعة إلى أواخر العقد الثاني من العمر، وكان له رؤيه في أهمية التعليم ومردوده على جميع أشكال الحياة، كما عمل على استقطاب أفضل الجامعات العالمية مثل جامعة كومنولث فرجينيا وكلية كورنيل الطبية فرع قطر وغيرها.

وفي عهده وصل إجمالي الناتج المحلي في عام 2013 إلى 202 مليار دولار، كما ارتفع معدل دخل الفرد إلى 94 ألف دولار وهو أعلى معدل دخل للفرد في العالم، في حين وصل مؤشر التنمية إلى 0.831 بتصنيف عالٍ جدًّا.

أما على الصعيد الدولي فتلعب قطر دورًا بارزًا ومؤثرًا في المنطقة، فقد قادت عمليات وساطة لحل النزاعات والصراعات في عدد من البلدان العربية، كاليمن ولبنان والسودان وأفضت بعض وساطاتها إلى توقف الحروب، وتكفلت بإعادة إعمار بعض ما دمرته تلك النزاعات، كذلك فإن قطر كانت عضوًا غير دائم في مجلس الأمن بين عامي 2006 ـ 2008.

وخلال الأعوام الماضية لعبت قطر دورًا كبيرًا في دعم ثورات الربيع العربي، وطموحات وتطلعات الشعوب الثائره ضد أنظمتها الديكتاتورية، كما أنها اليوم تشغل دورًا محوريًّا في عمليات قوات التحالف ضد الانقلابيين في اليمن.

تلك أبرز ثلاث تجارب أو انقلابات قاد منفذوها بلدانهم إلى التنمية، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الموضوع لم يُكتب لمدح شخص هؤلاء أو تمجيد ما صنعوه، إنما قُصد به الإشارة إلى حقيقة وهي “أن التنمية تحتاج إلى إرادة، وإذا توفرت تلك الإرادة لدى القائد أو الحاكم، فإنه يستطيع أن يصنع المستحيل ويقود شعبه وبلده إلى النهضه والتنمية، بالمقابل إذا توفرت الإرادة لدى الحكام بتدمير بلدانهم وتجهيلها، وإفقارها ونهب ثرواتها فانهم يفعلون”. ولنا في كثير من بلداننا العربية اليوم خير مثال.

وخلاصة القول: “ليس المهم كيف وصل هذا الحاكم أو ذاك إلى سدة الحكم، بل المهم ماذا صنع بعدما وصل؟!”.

 

*ساسة بوست

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)