حذر برنامج الغذاء العالمي من تفاقم مستويات انعدام الأمن الغذائي في اليمن إلى معدلات غير مسبوقة خلال الأشهر المقبلة، مشيرا إلى أن أكثر من 18 مليون شخص، أي ما يزيد عن نصف عدد السكان، مهددون بانعدام الأمن الغذائي الحاد من سبتمبر 2025 وحتى فبراير 2026 إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لزيادة حجم المساعدات ودعم الاقتصاد الهش.
ووفقا لأحدث تحليلات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، فإن اليمن يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الغذائية في العالم، حيث يُتوقع أن ينزلق نحو 41 ألف شخص إلى مستوى المجاعة (المرحلة الخامسة) في أربع مديريات هي عبس وكُشَر بمحافظة حجة، والزُهرة في الحديدة، والعَشَة في عمران، مع تزايد المخاوف من توسع هذه الجيوب الكارثية إذا استمرت الأزمة دون تدخل فعال.
وأفاد البرنامج بأن الأوضاع قد تتدهور أكثر مع ارتفاع عدد من سيواجهون أوضاعا طارئة (المرحلة الرابعة) إلى أكثر من 5.5 مليون شخص، بينما سيظل أكثر من 12.5 مليون شخص في مرحلة الأزمة الغذائية (المرحلة الثالثة)، في ظل تراجع القدرة الشرائية للأسر بسبب الانهيار الحاد للعملة المحلية وارتفاع الأسعار وانخفاض فرص الدخل.
وأشار التقرير إلى أن عدد المديريات المصنفة ضمن مرحلة الطوارئ قد يرتفع إلى 166 مديرية، بزيادة 22 مديرية عن الفترة الحالية (مايو – أغسطس 2025)، لتشمل مناطق واسعة في محافظات مأرب، الحديدة، حجة، عمران، وصعدة، وهي مناطق تعاني من النزاعات والصدمات المناخية وتراجع فرص الزراعة والرعي.
ويعزو البرنامج أسباب هذا التدهور إلى استمرار النزاعات المسلحة وتوسع الضربات الجوية في عدة مناطق، بما في ذلك الموانئ على البحر الأحمر، مما أثر بشكل كبير على حركة التجارة والإمدادات.
وبحسب التقرير، ساهمت الكوارث المناخية، مثل الأمطار غير المنتظمة وخطر الفيضانات والانهيارات الأرضية، في إتلاف مساحات زراعية وأدت إلى تقلص فرص العمل الموسمية خاصة في مناطق الإنتاج الزراعي.
وفي الوقت نفسه، تراجعت المساعدات الإنسانية إلى مستويات متدنية بفعل نقص التمويل من المانحين والصعوبات الميدانية التي تواجهها وكالات الإغاثة، حيث انخفضت التغطية الغذائية في مناطق الحكومة إلى أقل من 3.6 مليون شخص حتى مايو 2025، بينما تراجعت بشكل حاد في مناطق سلطات صنعاء إلى بضع عشرات الآلاف بمعدلات تغطية منخفضة للغاية لا تلبي سوى جزء بسيط من الاحتياج اليومي للسعرات الحرارية.
وأظهر التقرير أن الاقتصاد اليمني لا يزال في حالة شبه انهيار مع استمرار تراجع العملة الوطنية، إذ انخفضت في مناطق الحكومة لتفقد نحو ثلث قيمتها خلال عام واحد فقط، ما أدى إلى ارتفاع أسعار سلة الغذاء الأساسية إلى قرابة 200 ألف ريال، في حين بقيت الأسعار في مناطق سيطرة الحوثيين أكثر استقرارا ظاهريا بفعل الرقابة الصارمة لكنها تعكس واقعا من شح الإمدادات وزيادة تكاليف النقل والتهريب.
ويواجه الموظفون الحكوميون، وشرائح العمالة اليومية، والمهمشون، والصيادون أوضاعا هي الأصعب وسط تقلص فرص الدخل ونفاد الأصول القابلة للبيع، مما يدفع الأسر إلى تبني استراتيجيات سلبية وغير قابلة للعكس مثل بيع المواشي والأدوات الزراعية أو النزوح المتكرر.
وأكد برنامج الغذاء العالمي أن الوضع قد يتفاقم مع بداية موسم الأعاصير والظواهر المناخية المتطرفة بين أكتوبر 2025 وأبريل 2026، والتي قد تسبب أضرارا جديدة على المزارع والمراعي والبنية التحتية، وتزيد من أعداد النازحين داخليا الذين يعانون أصلاً من انعدام الوصول إلى الخدمات الأساسية.
وأوصى البرنامج بضرورة إعادة تمويل المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وتوسيع نطاق التغطية الغذائية لحماية ملايين اليمنيين من الوقوع في مستويات أسوأ من الجوع، مع التشديد على أهمية الحفاظ على استقرار الأوضاع الاقتصادية واستئناف تصدير النفط والغاز لدعم العملة المحلية وتحريك عجلة الاقتصاد.
كما دعا إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية لوقف النزاعات المسلحة وتأمين وصول المساعدات الإنسانية دون عراقيل، إضافة إلى تعزيز برامج الإنذار المبكر وخطط التكيف مع المخاطر المناخية، والعمل على حماية الفئات الأشد ضعفا وعلى رأسها النازحون داخليا والمجتمعات المهمشة.
وختم التقرير بتأكيد أن استمرار التراجع في المساعدات وتمويلها قد يدفع ملايين اليمنيين إلى حافة الجوع والمجاعة في بلد يعتمد أكثر من نصف سكانه على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة.