د.محمد شداد

أخطاء الساسة و الحروب الكارثية ..

د.محمد شداد
الجمعة ، ٠٢ سبتمبر ٢٠١٦ الساعة ٠٧:١٤ مساءً

يقول المنظر العسكري البروسي كارل فون " إن الحروب هي عبارة عن عمليات مستمرة من العلاقات السياسية إلا أنها تقوم بأدوات ووسائل مختلفة"، فالحروب عادة هي نتاج لأخطاء الساسة وسوء تقديراتهم للقضايا والمواقف التي يشعلون بسببها الحروب، لأن طموحاتهم وعِلاتهم في الغالب ما تكون خيالية وصعبة التحقيق. كما أضاف المفكر الألماني "كلوسوتز" قائلاً "إن الحرب هي امتداد للسياسة ونتائج لأخطائها".

الحرب التي أشعلها هتلر وساسته للسيطرة على العالم ولدت الكوارث وتلاشت الجيوش الألمانية الضاربة وسحقت ألمانيا بسبب التهور والمغامرة وسوء تقدير الساسة الألمان لمجريات الحرب العاليمة الثانية، التي نتج عنها مقتل 60 مليون نسمة و80 مليون جريح ناهيك عن الدمار الذي أصاب نصف الكرة الأرضية وتسببت تلك الحرب بكارثة إنسانية لازالت أثارها في اليابان ضاهرة حتى اليوم.

 كذلك الحرب التي خاضها الرئيس الراحل صدام حسين ضد الكويت في أواخر القرن العشرين والتي أودت بأمة النهرين وشلت الإقتصاد العربي كلية فكانت الحالقة التي لم تبقِ على شيء للأمة العربية، وكان السبب الأول سوء تقدير الساسة وضيق أفقهم برغم التعاطف الذي رافق تلك المحنة، كما أن الحرب اليمنية التي أشعلت اليوم تحت شعارات ضاهرها الرحمة وباطنها العذاب لم يكن بحسبان الساسة أنها ستتسع ميادينها وتمتد إلى المدى الحالي وتؤدي إلى كل هذا التشظي والدمار، وكان ذلك بسبب سوء تقدير ساسة اليمن وأخطاؤهم في الحسابات فأورِثت المعاناة التي لم تحدث للشعب اليمني عبر تاريخه.

 غير أن الشعوب التي ذاقت مرارة الحروب صارت تتحاشاها بشتى الطرق وباتت تحل خلافاتها  بالطرق السلمية والدبلوماسية وخاصة الدول الكبرى، فكانت حادثة إسقاط الطائرة الروسية على الأراضي التركية خير دليل وشاهد على ذلك، وقد رددنا على المهللين حينها مع أو ضد أن روسيا لن ترد على تركيا ولن يتدخل الناتو ولن تحدث حرب عالمية ثالثة، لأن القيادات الوطنية أصبحت تستهدف بناء اقتصادياتها وصناعاتها وبُناها التحتية وتوفير الرخاء والاستقرار لشعوبها وذلك الشئ الذي لم تستوعبه شعوبنا العربية حكاماً ومحكومين, وفي هذا الإطار فقد سُئِلَ تشرشل رئيس الوزراء البريطاني عقب الحرب العالمية الثانية عن الحرب فكان جوابه  "الحرب دماء ودموع وأشلاء" وهذه هي الحرب التي لم يفقهها العرب حتى الآن.

وما سبق لا يساوي شيئا أمام الحروب الأهلية فهي أشد مرارة وأنكى جراحا من الحروب الدولية لأنها تتكئ على النعرات العرقية والمذهبية التي يعزف عليها الساسة وإن أُلبست عباءات أخرى موشاة بأسباب خرافية زائفة تفتقر إلى الصدق والمنطق، لكي يكتسب أمراء الحروب الدعم الجماهيري والمشاركة الشعبية في مجهودهم الحربي، ولا يتم الإفصاح عن أسبابها الحقيقية لأن حقيقتها وغاية مرادها السلطة والحكم, أما طموحات الجماهير الحقيقية فتذهب في أدراج الرياح.

  وكارثية بكل المقاييس لأنها تكون عادة بين أطراف المجتمع الواحد والتي إن انتصر فيها طرف فهو الخاسر لأنه الضحية قاتلا ومقتولاً في آن واحد ولذا فقد عبرت الشاعرة العربية عن ذلك في الحروب التغلبية عندما قتَل أخاها زوجها "إنني قاتلة مقتولة ... ولعل الله أن يرتاح لي". وقد وصف ( دي مونترلان ) الحروب الأهلية بقوله " أنها حرب الجار ضد الجار حرب الخصم ضد الخصم وحرب الصديق ضد الصديق" ولم يكن تعبير ( دي مونتر لان ) عن الحرب الأهلية بهذا الحماس إلا انعكاساً لعنفها وشدة وعمق جراحاتها الدامية عبر تاريخ الصراعات على السلطة، وقد رسم آخر مشهدا محزنا عن الحرب الأهلية بين أبناء الوطن بقوله "إن رائحة جثة عدو ميت هي رائحة زكية خاصة إذا كان هذا العدو هو أحد المواطنين"، ذلك لأن الحرب الأهلية دمار للإنسان الذي أنيط به دور البناء ليصبح إنساناً متحضراً منتجاً قادراً على مواجهة تحديات الواقع مؤدياً ما عليه من واجبات, آخذاً ما له من حقوق, بوعي وإرادة.

 وغالباً ما تتحول الحرب الأهلية إلى أداة صراع بين أطراف دولية لتصفية حساباتها ولتحقيق مصالحها، وعليه فإن صناع القرار السياسي هم المسئولون الأوائل على الكوارث التي لحقت بالبشرية قديماً وحتى يومنا هذا عائد إلى غياب الضمير الانسان والقانون الدولي المتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد حقوق الانسان ومعاقبة مرتكبيها.

شريط الأخبار